الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة اللوث من الشهادة في القسامة أهو الشاهد الواحد العدل: قال محمد بن رشد: قوله في الشاهد العدل لا والله ما هو باللوث معناه ما هو باللوث الذي لا تكون القسامة بما دونه، إذ لا اختلاف في أنه لوث تجب القسامة به والقود في مذهب مالك وجميع أصحابه. وإنما اختلف فيما دونه، فرأى في هذه الرواية الشاهد الذي ليس بعدل لوثا يوجب القسامة، وقد حقق القول بذلك بعد هذا في هذا الرسم، ومعنى ذلك في الشاهد المجهول الحال الذي لا يتوسم فيه جرحة ولا عدالة إذ من أهل العلم من يحمل الشاهد على العدالة حتى تعلم جرحته، وأما الشاهد المعروف بالجرحة أو الذي يتوهم فيه الجرحة فلا يكون على مذهبه في هذه الرواية لوثا، بدليل قوله بعد هذا في العبد إنه لا يكون لوثا يريد وإن كان عدلا، وكذلك الصبي على هذه الرواية لا يكون لوثا، وأما المرأة فقال فيها بعد هذا إنها لوث، وقد روى مطرف عن مالك في الواضحة أن اللوث اللطخ البين مثل اللفيف من النساء والسواد والصبيان قال مطرف: وقد قتل بذلك عندنا بالمدينة، قال مالك: ومثل الرجلين والنفر يشهدون على ذلك وهم غير عدول، قال مالك: والشاهد العدل على اللوث وأحقه، وليست رواية مطرف هذه بخلاف لرواية أشهب، وقد روى ابن وهب عن مالك أن اللوث الشهادة غير القاطعة من شهادة النساء أو شبهها، قال ومثل أن يرى المتهم بحذاء المقتول وقربه وإن لم يكونوا رأوه حين أصابه، وقد حكى الليث عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما قالا: كل ما شهد فيه النساء أو العبيد أو الصبيان أو اليهود أو النصارى أو المجوس من قتل يكون فجأة أو ضرب أو جراح وأشباه ذلك فلا يحضره غير أولئك فإن شهادتهم في مثل هذا لطخ ولوث بين يجب به القتل مع القسامة وبالله التوفيق. .مسألة الحمل إذا صاح وجب ميراثه: قال محمد بن رشد: عبد العزيز بن أبي سلمة وابن وهب يريان العطاس استهلالا، وأما الرضاع فهو استهلال إذ لا يمكن أن يرضع إلا بعد أن يستهل، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الولاء وبالله التوفيق. .مسألة أصابها رجل بجرح يكون ثلث ديتها هي أتحمله لها العاقلة: قال محمد بن رشد: هذا الذي أنكره مالك في هذه الرواية وقال فيه: إنه من تأوله عليه فقد حمل قوله على غير وجهه من أن العاقلة تحمل الجناية إذا بلغت ثلث دية الجاني كما تحملها إذا بلغت ثلث دية المجني عليه قد رواه عنه ابن القاسم في المدونة، وأنه قال فيه: إنه بين وإن كان الاعتبار بدية المجني عليه في ذلك أبين، وإنما قال إن ذلك أبين لأن الجناية بالمجني عليه أخص منها بالجاني فيما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من مراسل عمرو بن شعيب وعكرمة أن «الجناية إذا بلغت ثلث الدية حملتها العاقلة» ولو قيل إنه إذا جنى أحدهما على صاحبه جناية خطأ لا تحملها العاقلة إلا أن يبلغ ثلث دية الرجل منهما كان الجاني أو المجني عليه لكان الأظهر، لأن الأصل كان أن لا يحمل أحد جناية أحد دم ولا مال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] «وقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ لأبي رمثة في ابنه: لا تجني عليه ولا يجني عليك» فكان وجه النظر في ذلك أن لا يخص منه شيء إلا بسنة قائمة أو إجماع، والإجماع إنما يصح في ثلث دية الرجل منهما فوجب أن لا تحمل العاقلة دون ذلك، ووجه قوله الثاني الذي أنكره في هذه الرواية اتباع ظاهر الحديث بحمله على عمومه إذ لم يخص فيه دية ذكر من دية أنثى وبالله التوفيق. .مسألة اللوث الذي تجوز القسامة به من الشهادة: قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة قبل هذا في هذا الرسم فلا وجه لإعادته. .مسألة إقرار العبد بقتل العبد عمدا: قال محمد بن رشد: إقرار العبد بقتل العبد عمدا يجوز عليه إن أراد سيد العبد المقتول أن يستفيد منه كان ذلك له، ولا يجوز على سيده إن لم يرد أن يستفيد مكانه وأراد أن يأخذه بجناية عبده لأن العبد يتهم على أنه أراد الخروج من ملك سيده إلى الذي أقر بقتل عبده، فلا يكون لسيد العبد المقتول أن يحلف مع إقرار العبد ويستحقه كما قال، إذ لا تجوز شهادته على سيده بأن كان له شاهد على أنه قتل عبده كان له أن يحلف مع شاهده ويستحق العبد إلا أن يشاء سيده أن يفتديه بقيمة العبد المقتول فيكون ذلك له وهذا ما لا اختلاف فيه، ولو لم يمت من ذلك الجرح بفور ذلك وحيي بعده لما استحقه بيمينه مع الشاهد إلا بعد أن يحلف أيضا أنه مات منه على ما قاله في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الجنايات، وكذلك لو ثبت الجرح بشهادة شاهدين أو أقر به سيد العبد القاتل أو القاتل إن كان حرًّا لم يستحقه إلا بعد أن يحلف أنه مات من ذلك الجرح على ما قاله في رسم المجالس من سماع أصبغ بعد هذا، وفي المدنية خلاف هذا. وروى محمد بن يحيى السبائي أنه سمع مالكا يسأل عن العبد يجرحه الحر فيقر الحر بجرحه أو تقوم عليه بينة ثم يمكث أياما فيموت العبد فيقول سيده إنه مات من تلك الجراح هل عليه في ذلك يمين أنه مات من ذلك، فقال: إذا أقر بذلك على نفسه أو قامت عليه بينة ثم مات العبد في ذلك فهو ضامن وليس على سيده أن يحلف أنه مات من ذلك الجرح، قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: قد سمعت هذا عنه، وسمعت أنا منه أنه يحلف وهو أحب قوله إلي. وأما قوله إن أبى أن يحلف ورد اليمين على سيد العبد القاتل إن ذلك لا يكون له، فمعناه إذا لم يحقق عليه الدعوى إن علم أنه قتله فهي يمين تهمة فالاختلاف في لحوق يمين التهمة مرض وجوبها في هذه المسألة في هذه الرواية، فقال: لا أظن ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يقتل الرجل وله أولياء كثير فعفا أحد الذين يجوز لهم العفو: قال محمد بن رشد: في قول مالك في رواية أشهب هذه التباس والظاهر عندي من معناه ومراده أن عفو أحد الأولياء إذا كانوا في القعدد سواء يبطل ولا تبطل الدية، فإن كان ذلك العفو ممن عفا منهم بعد القسامة كان لمن بقي حظوظهم من الدية، وإن كان قبل القسامة أقسم من بقي وكان لهم حظوظهم من الدية، وكان الشيوخ يختلفون في قول ابن نافع، فمنهم من كان يحمله على التفسير لقول مالك ويقول لا اختلاف في أن نكول الناكل عن القسامة إذا لم يكن على وجه العفو والترك وكان على وجه التورع والتحرج فلمن بقي من الأولياء أن يقسموا ويقتلوا، ومنهم من كان يحمله على الخلاف له، ويقول إذا نكل أحد الأولياء عن القسامة فلا سبيل إلى القتل، وكان لمن بقي حظوظهم من الدية، وابن الماجشون يساوي بين أن يكون العفو قبل القسامة أو بعدها في أن الدية تبطل على كل حال، ولا يكون لمن بقي من الأولياء شيء من الدية، والنكول عن القسامة عند جميعهم كالعفو سواء كل على مذهبه، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، ومن قول ابن القاسم في المدونة أن رجوع أحد الأولياء بعد القسامة وتكذيبه نفسه يبطل حق من بقي من الأولياء بمنزلة إذا عفا أو نكل قبل القسامة وبالله التوفيق. .مسألة تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها: قال أشهب: وسئل مالك عن المرأة تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها أترى عليها شيئا؟ فقال: ما أرى به بأسا إذا كان دواء يشبه السلامة فليس به بأس إن شاء الله، قد يركب الإنسان الدابة فتصرعه، وقد «كوى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعدا فمات فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بئس الميت ليهود يفتنون به يقولون لم يغن عنه صاحبه». قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله وهو على قياس ما تقدم في رسم البز من سماع ابن القاسم في الصبي الذي تسقيه أمه الدواء فيشرق به فيموت وبالله التوفيق. .مسألة قتل جنينا في بطن أمه فطرحت ميتا أعليه عتق رقبة: محمد بن رشد: زاد في غير هذه الرواية وإن سقط حيا كانت فيه الكفارة، قال أشهب: وعليه الغرة واستحسن مالك في المدونة الكفارة في الجنين إن خرج ميتا وفي الذمي والعبد وفي جنينهما وبالله التوفيق. .مسألة فجر فتحمل فتضع فتلقيه في بير أتقتل به: قال محمد بن رشد: هذا كله بين مثل ما في المدونة وغيرها من الأب يقتل بابنه إذا عمد لقتله، وإنما لا يقتل به وتغلظ عليه الدية إذا فعل به مثل ما فعل المدلجي بابنه من حذفه إياه بالسيف إذ قد يذهب الرجل على ابنه بالسيف ولا يريد قتله وبالله التوفيق. .مسألة النصراني يقتل المسلم خطأ على من ديته: فقال: على أهل دينه من أهل كورته الذين إذا جرحوا نصرانيا أدوا عنه، فكذلك يؤدون عنه إذا جرح المسلم. قال: أما إذا لم يحمل أهل هذه المعاقل الدية لم يقو عليها رجل واحد قيل له: ربما كانت القرية ليس فيها إلا الذي جرح وحده أو قلة؟ قال: يضم بعض ذلك إلى بعض يحمل ذلك عنه الذين إذا جرح نصرانيا عقلوا عنه. قال محمد بن رشد: هذا بين مثل ما في المدونة وغيرها فلا وجه للقول فيه. .مسألة نامت مع ولد لها من الليل فتمرغت فأصبح ميتا: قال محمد بن رشد: هذا كله بين لا إشكال فيه إن علمت أنها هي قتلته كانت عليها الكفارة واجبة، وإن شكت أن تكون قتلته فالكفارة عليها مستحبة لها، وإن صح أنها قتلته بوجه لا يشك فيه كانت الدية على عاقلتها. .مسألة توحر ولدها أوتسقطه فيموت في يدها أترى له عقلا: قال محمد بن رشد: قد تقدم مثل هذا والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. .مسألة العبد يكون أكثره حرا يصاب كم يغرم قاتله: قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه لأن الحرية في العبد تبع لما فيه من الرق في جميع الأحكام من الميراث والشهادة والحدود فكذلك إذا قتل يكون على عاقلة قيمته رقيقا كله واختلف قول مالك إذا جنيت عليه جناية فمرة قال جنايته لسيده، ومرة قال تكون لسيده منها بقدر ماله فيه من الرق ويوقف بيده منها قدر ما فيه من الحرية يكون مالا له إن أعتق باقيه كان له، وإن مات قبل أن يعتق باقيه ورث ذلك سيده، والقولان لمالك في المدونة. وأما إذا جنى هو؛ ففي ماله من الجناية قدر ما فيه من الحرية، وفي رقبته من ذلك قدر ما فيه من الرق يدفعه سيده بذلك أو يفتكه به وبالله التوفيق. .مسألة المكاتب يصاب كم يغرم قاتله: قال: قيمته بما عليه من الكتابة مكاتب بألف دينار أو مائة درهم، وليس قيمته عبدا لو بيع يوم أصيب على هيئته وعليه ألف درهم أو مائة درهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن يقوم على أنه مكاتب عليه من كتابته بقية كذا وكذا على ما يعرف من قدرته على اكتساب المال وبصره بذلك دون ما عليه له، لأن ماله يبقى لسيده، هذا معنى قوله في المدونة: إن المكاتب إذا قتل يقوم على هيئة في الحال التي كان عليها، يريد من قدرته على الاكتساب وبصره بجمع المال، لا من كثرة ماله وقلته، إذ لا يقوم بماله، ولا احتمال الحال المال طرح سحنون في المدونة قوله على الحال التي كان عليها فاللفظة صحيحة وتأويلها ما ذكرناه إلا أن في هذه الرواية أنه يغرم قيمته مما عليه من الكتابة خلاف ما في المدونة من قوله: إنه لا ينظر إلى ما أدى من كتابته ولا إلى ما بقي منها، فيقال على هذه الرواية كم قيمة هذا على أنه مكاتب وقوته على أداء كتابته كذا وكذا وعليه من كتابته كذا وكذا، ولا مال له، ويقال على ما في المدونة كم قيمة هذا على أنه مكاتب وقوته على أداء كتابته كذا وكذا ويسكت عن ما عليه من الكتابة ولا مال له أيضا، إنما يقوم المكاتب بماله في العتق إذا أوصى سيده بعتقه فيجعل في الثلث الأقل من قيمته بماله مكاتبا أو الأقل مما عليه من عدد الكتابة أو من قيمتها على الاختلاف الواقع في ذلك في الجنايات من المدونة، وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب المكاتب. .مسألة يكون مع غير قومه في الديوان أيعقل معهم ولا يعقل مع قومه: قال محمد بن رشد: هذا خلاف ظاهر ما في المدونة من قول مالك: إنما العقل على القبائل كانوا أهل ديوان أو غير أهل ديوان فجعل على هذه الرواية أهل الديوان الواحد كالقبيلة من القبائل وإن كانوا من قبائل شتى يعقل بعضهم ما جنى بعض فإن لم يكن فيهم من يحمل العقل ضم إليهم قومهم من أهل الديوان الأقرب حتى يجتمع منهم من العدد ما يحمل العقل دون مشقة ولا كبر مؤنة لأن طريقها المواساة لحياطة الدماء فهي على ما لا يضر بالمواسي ولا يقع فيه المشاحاة في الغالب، وقد روى عن سحنون أنه إذا كانت العاقلة خمسمائة أو ألفا فهم قليل ويضم إليهم أقرب القبائل إليهم، وقال بعض الشافعين إن الحد في ذلك على وجه النظر باعتبار الحد فيما سواه بما قرره الشرع ربع دينار على المعسر؛ لأنه أول حدود الشيء الخطير؛ لأن اليد لا يقطع فيها، دونه ونصف دينار على الموسر لأنا وجدناه يجب في النصاب من الذهب زكاة، ولا يرى مالك هذا الحد في الدية، وإنما يرى أن يفرض بالاجتهاد على العاقلة على الموسر بقدره وعلى المعسر بقدره في ثلاث سنين، قال في كتاب ابن سحنون: وإذا وقعت الدية على أهل إبل فرضت على جميعهم ولا يقدحون حتى يشترك النفر في النفر، وأنكر قول الشافعي لا يزاد فيها على نصف دينار ولا ينقص من ربع دينار، وبالله التوفيق. .مسألة أتقام الحدود في الحرم: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه بين فقهاء الأمصار، لأن حرم الله أحق ما أقيمت فيه حدود الله، وكذلك قال في سماع أبي زيد، وسنذكر هناك ما يؤثر فيه من الخلاف عن السلف وبالله التوفيق. .مسألة ستحق دمه بقسامة فقدم ليقتل فقال رجل أنا قتلته: قال محمد بن رشد: قد روى عن مالك وابن عبد الحكم وأصبغ؟ مثل قول ربيعة، حكى ابن المواز عنهم في كتابه أن القسامة إذا وجبت في نفر فأقر غيرهم بالقتل أن المقر يقتل بإقراره، ويقسمون على واحد من هؤلاء ويقتل، وحكي عن ابن القاسم مثل قوله هاهنا أنه لا يقتل إلا واحد إما المقر وإما أحد هؤلاء بقسامة، قال ابن المواز: وإذا قتل المقر فقال ابن القاسم مرة بقسامة ومره بغير قسامة، وأنكر ابن المواز وأصبغ قوله بقسامة، وقد قيل إن ذلك ليس باختلاف من قوله، وإنما معناه أنه يقتل بغير قسامة إن لم يكن للمقتول حياة، وإنما وجبت القسامة على غير المقر بشاهد على القتل وبقسامة إن كانت له حياة، وإنما وجبت القسامة على غير المقر بشاهدين على الجرح أو بقول المقتول دمي عند فلان بدليل ما وقع من قوله في رسم العتق بعد هذا من هذا السماع أنهم يقسمون على ذلك إن كانت حياة، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا في النفر يجرحون الرجل فيحمل مجروحا فيموت فتجب القسامة عليهم إنهم لو أقروا بقتله أجمعون لم يكن لهم أن يقتلوا منهم أحدا حتى يقسموا على أيهم أحبوا فقط فيقتلونه، ولا يكون لهم أن يقتلوا واحدا بالقسامة وسائرهم بالإقرار، قال وكذلك إذا لم يقر إلا واحد قال أنا قتلته لم يكن لهم أن يقتلوه حتى يقسموا عليه، ولا أن يقسموا على غيره ويقتلوا المقر بإقراره، ليس لهم أن يقسموا إلا على واحد منهم فيقتلونه كما لو لم يقروا ولم يقر واحد منهم فسواء على مذهب ابن القاسم كان المقر بالقتل من الذين وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم ليس للأولياء أن يقتلوا المقر بإقراره ويقسموا على أحد ممن بقي، وسواء أيضا على مذهب ربيعة وما حكى ابن المواز عن مالك، وابن عبد الحكم، وأصبغ كان المقر بالقتل، ممن وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم لهم أن يقتلوا المقر بإقراره ويقسموا على واحد ممن بقي فيقتلوه، وهو قول المغيرة في المجموعة، وفرق سحنون بين أن يكون المقر بالقتل من الذين وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم فاختار قول ابن القاسم إذا كان المقر بالقتل من غير الذين وجبت عليهم القسامة واختار قول المغيرة، ومن قال بقوله إذا كان المقر بالقتل ممن وجبت عليه القسامة وقال: ليس قول ابن القاسم هاهنا شيئا وقد كان من مضى يقتلون بالقسامة النفر جميعا حتى كان معاوية ابن أبي سفيان أو عبد الملك فحكم أن لا يقتل بالقسامة إلا واحدا فرأى مالك وأصحابه ذلك واستحسنوه. فإذا أقروا بالقتل جميعا قتلوا جميعا كما قال المغيرة، وإن أقر واحد منهم قتل المقر، وأقسموا على واحد من الباقين وقتلوه، وكذلك إن أقروا جميعا إلا واحد منهم قتلوا جميعا بالإقرار وأقسموا على المنكر وقتلوه إن شاءوا، والذي قال مالك في موطئه: إنه لم يعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد، وإذا حملنا ما حكى ابن المواز عن ابن القاسم في المقر على نفسه بالقتل إنه يقتل قال مرة بقسامة ومرة بغير قسامة على ظاهره من أنه اختلاف من قوله فالاختلاف من قوله إنما يصح ويشبه إذا كانت للمقتول حياة فأقر القاتل أنه قتله ومن جرحه مات كان المقر بالقتل من وجبت عليه القسامة بقول المقتول أو بشاهدين على الجرح أو لم يكن منهم وكان من غيرهم، وأما إذا لم يكن للمقتول حياة، فأقر القاتل أنه قتله قتلا مجهزا؛ فإنه يقتل بغير قسامة قولا واحدا لا يصح في ذلك اختلاف، كان المقر بالقتل ممن وجبت عليه القسامة بشاهد على القتل أو من غيرهم والفرق بين الموضعين بين، ألا ترى أنه من أقر أنه قتل رجلا قتلا مجهزا لا يقبل رجوعه ومن أقر أنه جرح فلانا ومات من جرحه ثم رجع عن إقراره يقبل رجوعه لأنه يقول كنت ظننت أنه مات من جرحي ثم تحققت أنه لم يمت منه، وهذا الذي ذكرناه من أنه يقبل. رجوع المقر بالقتل في هذا الموضع منصوص عليه لمالك في كتاب ابن المواز، وبالله التوفيق. .مسألة النصراني يقتل النصراني ثم يسلم: قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في النصراني يقتل النصراني ثم يسلم: إنه يقتل، وإن لم يكن للنصراني المقتول أولياء إلا المسلمون، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه: إن إسلامه لا يمنعه من القتل ولا يبريه منه، ويقتل مكانه؛ فعلى هذا لا يجوز للإمام إذا لم يكن له أولياء إلا المسلمون أن يعفو عنه إذا كان له مال على غير شيء، وهو القياس لوجوب القود، ويجوز له أن يصالحه على مال يأخذه منه للمسلمين، وإن كان أقل من الدية على القول بأن القاتل لا يجبر على غرم الدية، وأما على القول بأنه يجبر على غرم الدية فليس له أن يعفو عنه على أقل من الدية إذا كان بها مليا، وأمَّا على قوله في رواية يحيى عنه؛ فيجوز له أن يعفو عنه على غير شيء يأخذه منه، وإن كان له مال؛ لأنه استحب العفو عنه لحرمة إسلامه بخلاف المسلم يقتل المسلم الذي لا ولي له إلا المسلمون، هذا لا يجوز للإمام أن يعفو عنه إلا على شيء يأخذه منه نظرا للمسلمين كالوصي على الصغير لا يجوز له أن يعفو عن دم أبيه، ويجوز أن يعفو عنه نظرا ليتيمه على الدية أو على أقل منها على الاختلاف الذي ذكرناه في القاتل هل يجبر على غرم الدية أم ولا؟ وسيأتي هذا في رسم أبي زيد وبالله التوفيق. .مسألة قال عند موته فلان قتلني وناس معه: وأما قوله وناس معه فإن عرفوا وأثبتتهم البينة أنهم ضربوه معه أقسموا على أيهم شاءوا منهم. قال محمد بن رشد: القسامة في العمد تجب بأحد ثلاثة أشياء على اتفاق، وبأحد وجهين على اختلاف. فأما الثلاثة الأشياء التي تجب القسامة بكل واحد منها باتفاق فهي أن يقول الميت دمي عند فلان أو يشهد على قتله رجل واحد أو على جرحه رجلان. وأما الشيئان المختلف في وجوب القسامة بكل واحد منهما أن يشهد رجل واحد على الجرح أو شاهد واحد على إقرار القاتل بالقتل فإذا وجبت القسامة على الجماعة بأحد هذه الأشياء التي تجب القسامة بها أو باختلاف على القول بوجوب القسامة به فلا اختلاف في المذهب في أنه لا يقتل بها إلا واحد منهم، واختلف هل لأولياء المقتول أن يقسموا على جميعهم أو على من شاءوا منهم، ثم يقتلون واحدا ممن أقسموا عليه أو ليس لهم أن يقسموا إلا على الذي يقتلونه، وهو مذهب ابن القاسم ونص قوله في هذه الرواية وغيرها، وقول مالك في موطئه: ولم نعلم قسامة قط كانت إلا على رجل واحد. وإذا أقسموا عليه قالوا في قسامتهم عليه لمات من ضربه ولا يقولوا من ضربهم، وروى ذلك ابن القاسم عن مالك في المجموعة والواضحة، قال عبد الملك إذ لا يدرى هل مات من فعلهم كلهم أومن فعل واحد منهم فلابد لهم لأن يقسموا على الذي يريدون أن يقتلوه؛ لأنه مات من فعله، هذا معنى قوله: وقيل: لهم أن يقسموا عليهم كلهم أنه مات من فعله ثم يقتلون ما شاءوا منهم وهذا الاختلاف إنما هو إذا احتمل أن يكون مات من فعل بعضهم دون بعض، فإذا لم يحتمل ذلك مثل أن يصبوا عليه صخرة وهم جماعة تعاونوا على رفعها إذ لا يقدر بعضهم على ذلك فلا اختلاف عندي في أنهم يقسموا عليهم كلهم ثم يقتلون ما شاءوا، وإن كان ظاهر ما في المدونة أنهم لا يقسمون إلا على واحد منهم، فلا ينبغي أن يحمل على ظاهره لأنه بعيد. وقد قيل إنهم يقتلون كلهم بالقسامة إذا كان القتل على هذا الوجه، وهو قول سحنون، وقد كان من مضى يقتلون بالقسامة النفر جميعا حتى كان معاوية بن أبي سفيان أو عبد الملك، فحكم أن لا يقتل بالقسامة إلا واحد فرأى ذلك مالك وأصحابه، وقع ذلك في كتاب سحنون وفي الموطأ ما يرد ذلك، وهو قول مالك: ولم يعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد وبالله التوفيق.
|